بسم الله الرحمن الرحيم
الشفاعة
قال النبي صلى الله عليه وسلم: شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي
الشفاعة: الوساطة في اللغة، وشرعا: طلب الخير إلى الغير أو مساعدته بالحاجة صاحب الحاجة عند من يملك الحاجة، والشفاعة في الدنيا أن تتوسط لشخص في أن تقضي حاجته، تتوسط لشخص عند أبيك، أو عند جارك، أو عند صديقك، أو تتوسط له عند أمير من الأمراء أو عند غني من الأغنياء، تتوسط له في أن تقضى حاجته.
وأما الشفاعة في الآخرة فهي نوعان: شفاعة منفية، وشفاعة مثبتة.
الشفاعة عند الله نوعان:
النوع الأول :
شفاعة نهينا عنها : هي التي تكون للمشركين هذه باطلة هذه منفية، ولو كانت تحصل.
قال تعالى: فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ )48 سورة المدثر) مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ( 254 سورة البقرة ) ( وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ ( سورة البقرة آية رقم 123 )
والنوع الثاني :
: شفاعة مثبتة، وهي التي تكون لأهل التوحيد، فأهل التوحيد لهم شفاعة ، إذا من مات على التوحيد فله شفاعة .
والشفاعة في الآخرة أنواع: منها ما هو خاص بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومنها ما هو مشترك بينه وبين غيره، فالخاص بنبينا صلى الله عليه وسلم ثلاث شفاعات:
الشفاعة الأولى:
الشفاعة العظمى لأهل الموقف في موقف القيامة، وهي التي يتأخر عنها أولو العزم الخمسة حينما يبعث الله الناس ويخرجون من قبورهم حفاة عراة غرلا، يقفون بين يدي الله للحساب وتدنوا الشمس من رءوسهم ويزاد في حرارتها ويشتد الكرب بالناس فيطلبون فيفزعون إلى الأنبياء يسألونهم أن يشفعوا لهم ، ويأتون إلى آدم ويقولون: يا آدم أنت أبو البشر، خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، فاشفع لنا إلى ربك حتى يحاسبنا، نسترح من هذا الموقف، وهذا جاء في حديث الشفاعة الطويل المعروف في الصحيحين وفي غيرهما فيعتذر آدم، ويقول: إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني أكلت من الشجرة التي نهيت عنها، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح، فإنه أول رسول بعثه الله إلى الأرض، اعتذر آدم، فيأتون إلى نوح ويقولون: يا نوح أنت أول رسول بعثك الله إلى أهل الأرض وسماك الله عبدا شكورا، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟ فيعتذر نوح ويقول: إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وإني دعوت على أهل الأرض دعوة أغرقتهم، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيم فإنه خليل الله، ويذهبون إلى إبراهيم فيقولون: يا إبراهيم أنت خليل الله اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه فيعتذر إبراهيم عليه السلام ويقول: إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني كذبت في الإسلام ثلاث كذبات اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى، ثلاث كذبات يعتذر بها، وهذه الكذبات تورية يجادل بهن عن دين الله، لما كسر الأصنام التي يعبدونها وضع الفأس على الكبير، وقالوا من كسر؟ قال: هذا، يعني يريهم يوهمهم أنها ما تنفع ولا تضر، اسأل فاسألوههم إن كانوا ينطقون. والثاني: نظر في النجوم وقال إني سقيم، يريهم بهذا أن الأصنام لا تنفع، والثالث: قال عن زوجته سارة: إنها أختي لما مر بالملك الظالم ملك مصر في ذلك الزمان، حتى لا يكون عنده غيرة، لو قال له: زوجتي لأخذها، وقال لها: أنت أختي في الإسلام وليس على وجه الأرض مسلم غيري وغيرك، ما في مسلمون، وسأقول أنك أختي فلا تكذبيني فأنت أختي في الإسلام، قالوا: من هذه؟ قال: أختي، وتعود أنها أخته في الإسلام، هذه اعتبرها كذبة فهذه الكذبات يعتذر يوم القيامة، يقول: اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى فيأتون موسى ويقولون: يا موسى أنت كليم الله اشفع لنا إلى ربك حتى يريحنا من هذا الموقف ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيعتذر موسى ويقول: إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قتلت نفسا لم أومر بقتلها، حينما قتل القبطي قبل النبوة هذا، وتاب، تاب الله عليه: قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي وهذا قبل النبوة لكني أعتذر، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى عيسى، فإنه روح الله وكلمته.
فيذهبون إلى عبد الله ورسوله فيقولون: يا عيسى أنت روح الله وكلمته اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيعتذر عيسى ويقول: إني ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، ولكنه لم يذكر ذنبا، قال: إن الناس اتخذوني أنا وأمي إلهين من دون الله، وهذا وإن لم يرض بذلك كما قال الله: وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ يقول: اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمد فإنه خاتم النبيين.
فيأتون إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ويقولون: يا محمد اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول نبينا عليه الصلاة والسلام: أنا لها أنا لها عليه الصلاة والسلام، فيذهب فيسجد تحت العرش فيفتح الله عليه من المحامد لا يحسنها وهو في دار الدنيا تفتح عليه ذلك الموقف، فلا يزال يحمد ربه ويمجد ربه وهو ساجد، ولا يشفع لا يستطيع الشفاعة حتى يأتيه الإذن فيأتي الإذن من ربنا عز وجل سبحانه وتعالى، ويقول: يا محمد ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع. جاء الإذن من الذي يشفع عنده إلا بإذنه الشفاعة كاملة بهذا الشرط، شرطها: ادع الله للشافع أن يشفع وادع الله للمشفوع له، لكن هذه الشفاعة للمؤمن والكافر، فيقول: يا ربي أسألك أن تقضي بين عبادك فيشفعه الله فيقضي الله تعالى بين الخلائق، فيشفعه الله فيقضي الله بين الخلائق ويحاسبهم حتى ينصرف الناس من الموقف، يصدر الناس أشتاتا قوم إلى الجنة وقوم إلى النار فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ هذه تسمى الشفاعة العظمى، وهي المقام المحمود الذي يحمده فيه الأولون والآخرون ويغبطه فيه الأولون والآخرون، قال تعالى: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا هذا هو المقام المحمود، هذه هي الشفاعة خاصة بنبينا صلى الله عليه وسلم.
الشفاعة الثانية:
الشفاعة لأهل الجنة في الإذن لهم بدخولها أهل الجنة يقفون عند بابها، ما، لا أحد يدخل إلا بشفاعة يشفع له نبينا صلى الله عليه وسلم، وهو أول من يفتح باب الجنة ويدخلها وهو أول من يدخلها عليه الصلاة والسلام، ثم الأنبياء ثم من الأمم أمة نبينا لكن بعد الإذن بعد الشفاعة، هذه خاصة بنبينا صلى الله عليه وسلم.
الشفاعة الثالثة:
الشفاعة في عمه أبي طالب في تخفيف العذاب، ليس في الإخراج من النار بل في تخفيف العذاب، ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: يا رسول الله إن أبا طالب يحميك ويحوطك ويذود عنك فهل نفعته؟ قال: نعم، وجدته في غمرات من نار فأخرجته إلى ضحضاح يغلي منها دماغه أخرج من الغمرات إلى الضحضاح، وفي لفظ: إن أهون أهل النار عذابا أبو طالب وإنه في ضحضاح يغلي منها دماغه هذا أخف أهل النار عذابا، أبو طالب أخف أهل النار عذابا يغلي دماغه ويظن من شدة ما يجد أنه أشد أهل النار وهو أخفهم، هذه شفاعة تخفيف هذه الثلاث خاصة بنبينا صلى الله عليه وسلم.
وهناك شفاعات أخرى مشتركة بين الأنبياء والصالحين والأفراد، هذه الشفاعات المشتركة منها: الشفاعة لمن استحق النار ... ألا يدخلها، في جماعة من الموحدين عصاة يستحقون دخول النار فيشفع فيهم فلا يدخلونها يشفع فيهم نبينا صلى الله عليه وسلم ويشفع الأنبياء ويشفع الملائكة ويشفع المؤمنون ويشفع الشهداء ويشفع الأفراد، هذه واحدة.
الثانية: الشفاعة فيمن دخل النار أن يخرج منها، وقد ثبت أن نبينا صلى الله عليه وسلم يشفع أربع شفاعات في كل مرة يحد الله له حدا يخرجهم فيخرج قوما من النار لم يعملوا الخير قط يعني زيادة على التوحيد والإيمان فإذا تكامل فوج العصاة من الموحدين ولم يبق فيها أحد أطبقت النار على الكفرة بجميع أصنافهم، فلا يأخذونها أبد الآباد: النصارى واليهود والوثنيون والشيوعيون والملاحدة والمجوس، والمنافقون في الدرك الأسفل من النار، تغلق فلا يخرجون منها أبد الآباد كما قال الله تعالى: إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ يعني مطبقة مغلقة فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ قال سبحانه: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ وقال سبحانه: كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الى يوم الدين
اللهم انا عبدتك وإني اشهدك أني أحبك وأحب حبيبي وشفيعي محمد صلى الله عليه وسلم
وأحب آل محمد صلى الله عليه و سلم وأصحابه وكل من أحبه أعظم خلق الله صلى الله عليه وسلم
اللهم شفعه فينا يوم القيامة يا ارحمن الراحمين