نحن الآن على مشارف العشر الأواخر من رمضان، التي لها شأن عظيم ومن أفضل مواسم الطاعات والعبادات، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله) كما في الصحيحين . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره) .
والمراد بشد المئزر هو اعتزاله للنساء كي يتفرغ للعبادة ولطلب ليلة القدر .
وقد جاءت في العشر الأواخر من رمضان سنن :
منها : الاغتسال بين العشاءين : قال ابن جرير : كانوا يستحبون أن يغتسلوا كل ليلة من ليالي العشر الأواخر . وخاصة في الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر فيستحب فيها التنظف والتزين، والتطيب واللباس الحسن، كما هو مشروع ذلك في كل صلاة قال تعالى (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد)، والله جل وعلا أحق من يتزين له . ولا يكمل التزين باللباس والمظهر إلا بتزيين الباطن بالتوبة والإنابة إلى الله والتطهر من أدناس الذنوب .
قال تعالى (ولباس التقوى ذلك خير) ، وقال الشاعر :
إذ المرء لم يلبس ثيابا من التقى تقلب عريانا وإن كان كاسيا
فإذا لا يصلح لمناجاة ملك الملوك رب العالمين الذي يعلم السر وأخفى إلا بتزين الظاهر باللباس والباطن بالتقوى فالله لا ينظر إلى صوركم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم.
ومن الأعمال في العشر : الاعتكاف : ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى .
والحكمة من اعتكافه : هو طلب ليلة القدر وقطعا لانشغاله وتخليا لمناجاة ربه وذكره ودعائه، فما يبقى له هم إلا الله، وما يرضيه . وكان عليه الصلاة والسلام له مكان يتخلى فيه عن الناس فلا يخالطهم ولا يشتغل بهم . والاعتكاف يكون في المساجد لئلا يترك به الجمع والجماعات وهذا الاعتكاف هو الخلوة الشرعية المشروعة لهذه الأمة.
فمعنى الاعتكاف : قطع العلائق عن الخلائق للاتصال بخدمة الخالق، وكلما قويت المعرفة بالله والمحبة له والأنس به أورثت صاحبها درجة الصديقين .
ومن السنن في العشر الأواخر : استغلال ليلة القدر بطول العبادة واستدراك ما فات من العمر في حسن قيام ليلة القدر، فإنها ليلة تحسب بالعمر
وليلة وصل بات منجز وعده سميري فيها بعد طول مطال
شفيت بها قلبا أطيل غليله زمانا فكانت ليلة بليال
قال تعالى (إنا أنزلناه في ليلة القدر - وما أدراك ما ليلة القدر- ليلة القدر خير من ألف شهر) . قال الإمام مالك: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأى أعمار الناس قبله أو ما شاء الله من ذلك فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل الذي بلغه غيرهم في طول العمر، فأعطاه الله ليلة القدر خيرا من ألف شهر) .
ومعنى ليل خير من ألف شهر : أي العمل فيها خير من العمل في ألف شهر . وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم (من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) وفي المسند والنسائي أنه صلى الله عليه وسلم قال في رمضان : فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم) .
فالعبد مأمور بالسعي في اكتساب الخيرات والاجتهاد في الأعمال الصالحات، فالمبادرة المبادرة إلى اغتنام العمل فيما بقي من الشهر فعسى أن يستدرك به ما فات من ضياع العمر .
أسأل الله يجعلنا ممن يقرأ المقال فيتبع أحسنه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبة أجمعين .
منقوول