الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
فهذه بعض الأحكام المتعلقة بالأمطار
قال تعالى
"وجعلنا من الماء كل شيء حي"
وهو فرحة للناس بعد جدبهم قا ل تعالى { فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } (الروم: من الآية48).
فهو سبب رزقهم قال تعالى { وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ } (البقرة: من الآية22).
وهو سبب لإحياء الأرض قال تعالى { وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } (البقرة: من الآية164).
وهو سقيا للناس قال تعالى { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ } (النحل:10) .
وهو صحة الأجواء، وطرد الأدواء.
وهو الغيث قال تعالى { يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ } (الشورى:28) .
وهو ماء طهور قال تعالى { وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً } (الفرقان: من الآية48).
وهو مطهر قال تعالى { وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ } (الأنفال: من الآية11).
وهو بركة قال تعالى { وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً } (قّ: من الآية9).
وهو عذب قال تعالى { وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا } (المرسلات: 27).
فجميع المخلوقات لا تستغني عن الماء بحال من الأحوال قال العلامة ابن القيم رحمه الله
تأمل الحكمة البالغة في نزول المطر على الأرض من علو ليعم بسقيه وهادها وتلولها وظرابها وآكامها ومنخفضها ومرتفعها ولو كان ربها تعالى إنما يسقيها من ناحية من نواحيها لما أتى الماء على الناحية المرتفعة إلا إذا اجتمع في السفلى وكثر وفي ذلك فساد، فاقتضت حكمته أن سقاها من فوقها فينشئ سبحانه السحاب وهي روايا الأرض ثم يرسل الرياح فتحمل الماء من البحر وتلقحها به كما يلقح الفحل الأنثى.." ا.هـ. مفتاح دار السعادة 1/323
الاستسقاء عند الجدب
عن أنس بن مالك رضي الله عنه
أن رجلا دخل المسجد يوم جمعة من باب كان نحو دار القضاء ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمًا ثم قال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغثنا قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال " اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا " قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت، قال فلا والله ما رأينا الشمس سبتا " رواه البخاري ومسـلم
"ولم ينـزل من منبره حتى رأيت المطر يتحادر من لحيته "
أسباب الجدب
متى حل الجدب بالأرض لحق الناس والدواب وغيرها ضرر عظيم وهو من المصائب التي يبتلي بها الله تعالى عباده " ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم " [الحديد: 22]
قال قتادة: هي السنون. يعني الجدب. تفسير ابن كثير
4/315
وقال تعالى "ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين" [الأعراف: 130] أي بالجدب والقحط.
وقال تعالى على لسان إخوة يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لما دخلوا عليه يشكون حالهم
"فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين" [يوسف: 88] والضر هنا : الشدة من الجدب والقحط. تفسير الطبري 13/49 تفسير ابن كثير 2/499.
وأسباب الجدب كثيرة ولعل من أهمها كثرة الذنوب
قال تعالى " ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ " [الروم: من الآية41]
قال القرطبي مفسرًا الآية (ظهر) الجدب (في البر) أي في الوادي وقراها وفي البحر أي في مدن البحر مثل "واسأل القرية" أي ظهر قلة الغيث وغلاء السعر " بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض" أي عقاب بعض الذي عملوا ثم حذف، والقول الآخر أنه ظهرت المعاصي من قطع السبيل والظلم فهذا هو الفساد على الحقيقة. ا.هـ. تفسير القرطبي 14/41 وانظر: تفسير ابن كثير 3/436
وعن نجدة بن نفيع قال سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن قول الله عز وجل
"إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً" [التوبة: من الآية39]
قال استنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم حيا من أحياء العرب فتثاقلوا فأمسك عنهم المطر وكان عذابهم. رواه أبو داود وعبد بن حميد وابن جرير والحاكم وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه
وقال تعالى"وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" [الأعراف: من الآية168]
قال القرطبي رحمه الله تعالى"وبلوناهم" أي اختبرناهم "بالحسنات" أي بالخصب والعافية "والسيئات" أي الجدب والشدائد "لعلهم يرجعون" ليرجعوا عن كفرهم. أ.هـ. تفسير القرطبي (7/310).
وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على الظلمة " اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف" رواه البخاري ومسلم
عدم تحقيق الإيمان والتقوى قال الله تعالى ( َولَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىآمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِوَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )
منع الزكاة ونقص المكيال والميزان
لما رواه ابن ماجه وحسنه الألباني عن عبد اللهبن عمر رضي الله عنهما قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا معشرالمهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قطحتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذينمضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطانعليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لميمطروا...
والتوبة لها أثر عظيم في نزول المطر
قال تعالى حكاية عن نوح عليه السلام " فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً "[نوح:10-12]
وقال تعالى حكاية عن هود عليه السلام " وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ " [هود:52]
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى " إن المعاصي سبب الجدب والطاقة تكون سببا للبركات، قال الله تعالى: "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ " [الأعراف:96] المغني (2/148)
وقال العباس لما استسقى به عمر رضي الله عنهما عام الرمادة
اللهم إنه لم ينـزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة، وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث. فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض وعاش الناس. انظر: فتح الباري 2/497، ونيل الأوطار (4/32) والاستيعاب (2/814).
حال النبي صلى الله عليه وسلم إذا تخيلت السماء
كان النبي صلى الله عليه وسلم
إذا رأى مخيلة في السماء أقبل وأدبر ودخل وخرج وتغير وجهه، فإذا أمطرت السماء سري عنه فعرفته عائشة ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم "ما أدري لعله كما قال قوم عاد ( فلما رأوه عارضًا مستقبل أوديتهم ) " الآية رواه البخاري
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى ناشئًا من أفق من آفاق السماء ترك عمله وإن كان في صلاته، ثم يقول " اللهم إني أعوذ بك من شر ما فيه " فإن كشفه الله (حمدا لله) وإن مطرت قال " اللهم صيبًا نافعًا " رواه أحمد والبخاري في الأدب والنسائي في الكبرى
وقد عذب الله تعالى أقوامًا بالمطر منهم
قوم نوح عليه السلام قال تعالى " فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِر فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ" [القمر:10-14]
وعذب به أيضاً قوم عادٍ قال تعالى { فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ } (الاحقاف:24-25) فظنوه مطراً فإذا هو ريحٌ عاتية.
قوم لوط عليه السلام قال تعالى " وأمطرنا عليهم مطرًا فساء مطر المنذرين" فقد أرسل الله تعالى عليهم حجارة من سجيل لتكذيبهم رسولهم. تفسير القرطبي 13/133، وابن كثير 6/21.
قوم سبأ قال تعالى " فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ " [سـبأ: من الآية16] وهو الماء الغزير تفسير ابن كثير (6/495)
وما واقعة تسونامي عنا ببعيد، فقد أهلك الله تعالى مئات الآلاف في دقائق معدودة نسأ الله تعالى العفو والعافية.
من السنن عند نزول المطر ما يلي
التعرض له
عن أنس رضي الله عنه قال: أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر، قال: فحسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه حتى أصابه من المطر. فقلنا: يا رسول الله لم صنعت هذا؟ قال: "لأنه حديث عهد بربه تعالى" رواه مسلم
أن نقول الذكر الوارد عند نـزول المطر، وقد وردت عدة أذكار منها:
فعن عائشة رضي الله عنها أن رسـول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى المطر قال: "صيبًا نافعًا" رواه البخـاري
فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا رأى المطر "رحمة" رواه مسلم
قال رسول الله صلى الله علية و سلم "مطرنا برحمة الله وبرزق الله وبفضل الله " كما في حديث خالد بن زيد رضي الله عنه رواه البخاري
الدعاء العام عند نزول المطر
قال صلى الله عليه وسلم (( ثنتان ما تردان: الدعاء عند النداء وتحت المطر )) رواه الحاكم وحسنه الألباني في صحيح الجامع
قال المناوي : أي لا يرد أو قلما يرد فإنه وقت نزول الرحمة.
إذا كثر المطر وخيف ضرره يسن أن يقول " اللهم حوالينا ولا علينا على الآكام (أي الهضاب) والجبال والآجام (أي منبت القصب) والظراب (أي الجبال) والأودية ومنابت الشجر" رواه البخاري و مسلم وانظر: زاد المعاد (1/459).
ويسن أن يقول عند سماع صوت الرعد والصواعق
ما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع الرعد والصواعق قال " اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك " رواه أحمد والبخاري في الأدب والترمذي وقال (هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه) وصححه الحاكم
وكان ابن الزبير رضي الله عنه إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال "سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته " رواه مالك والبخاري في الأدب
وأشير إلى أن الصواعق تكثر في آخر الزمان كما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" تكثر الصواعق عند اقتراب الساعة حتى يأتي الرجل القوم فيقول من صعق تلكم الغداة فيقولون: صعق فلان وفلان وفلان" رواه أحـمد والحاكم وصححه على شرط مسلم.
حكم الاستسقاء بالنجوم
قال تعالى
" أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ " [الواقعة:68-69]
وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن الفخر في الأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة " رواه مسلم
وعن زيد بن خالد رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية فأصابنا مطر ذات ليلة فصلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح ثم أقبل علينا فقال: "أتدرون ماذا قال ربكم" ؟
قلنا: الله ورسوله أعلم. فقال " قال الله أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي فأما من قال مطرنا برحمة الله وبرزق الله وبفضل الله فهو مؤمن بي كافر بالكوكب وأما من قال مطرنا بنجم كذا وكذا فهو مؤمن بالكوكب كافر بي" رواه البخاري
أقسام الاستسقاء بالنجوم وحكم كل قسم
الأول: أن يدعو الأنواء بقوله مثلاً: يا نوء كذا اسقنا. وهذا شرك أكبر في الألوهية لأنه صرف شيئًا من العبادة وهي الدعاء لغير الله تعالى.
الثاني: أن ينسب حصول المطر للأنواء على أنها هي الفاعلة دون الله تعالى ولو لم يدعها وهذا شرك أكبر في الربوبية.
الثالث: أن يجعل هذه الأنواء سببًا مع اعتقاده أن الله تعالى هو الخالق الفاعل وهذا شرك أصغر؛ لأن من جعل سببًا لم يجعله الله تعالى سببًا لا بوحيه ولا بقدره فهو مشرك شركًا أصغر.
الرابع: أن يريد بقوله "مطرنا بنوء كذا" أي في وقت كذا، فتكون الباء ظرفية أي جاءنا المطر في وقت هذا النوء. وهذا جائز. انظر القول المفيد لشيخنا العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى (3/18 و 2/31).