الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله واله وصحبه وسلم أما بعد:
فإنه من المعلوم أن الله جل وعلا قد شرع لعباده التوبة والإنابة إليه وحثهم على ذلك ورغبهم فيه فمن جملة ذلك قوله جل وعلا:( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم. وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون) الزمر.
وقال تعالى:" إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين" وقد تضافرت دلائل الكتاب والسنة على وجوب التوبة،ولزوم المبادرة إليها،وأجمع على ذلك أئمة الإسلام ـ رحمهم الله تعالى.
إذا علم ذلك ، فإن التائب لا يكون تائبا حقا إلا إذا توفرت في توبته خمسة شروط:
الشرط الأول:الإخلاص ـ وهو أن يقصد بتوبته وجه الله عزوجل.
الثاني: الإقلاع عن الذنب .
الثالث: الندم على فعله.
الرابع: العزم على عدم الرجوع إليه.
الخامس: أن تكون التوبة قبل أن يصل العبد إلى حالة الغرغرة عند الموت.
فهذه الشروط فيما إذا كان الذنب بين العبد وربه كشرب الخمر مثلاً.
وأما إذا كان الذنب يدخل فيه حق العباد،فلا بد من إبراء الذمة من هذا الحق فإن كان مظلمة استحلها منه، أو حقا رده إليه، بالإضافة إلى الشروط الخمسة الآنفة الذكر.
إذا ثبت هذا فليعلم أن العبد إذا تاب ، فينبغي أن يكون حاله بين رجاء قبول التوبة، ومخافة العقاب من الله تعالى، قال تعالى:"والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون" وقد خرج الترمذي بإسناد ثابت أن أم المؤمنين عائشة بن الصديق رضى الله عنهما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية فقالت:" أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون فقال( لا يا بنت الصديق ولكنهم الذين يصومون ويتصدقون وهم يخافون ألا يقبل منهم أولئك الذين يسارعون في الخيرات).
لكن لا ما نع أن يكون هنالك أمارات على صدق توبة العبد يستأنس بها في ذلك.
فمن ذلك أن العبد التائب يجد حرقة في قلبه على ما فرط منه في جنب الله، وأنه ينظر لنفسه بعين التقصير في حق الله الجليل، وأنه يكون أشد تجافيا عن الذنب وعن اسبابه نائيا بنفسه عن هذه الموارد.
ومن ذلك أنه يميل إلى الإقبال على ربه ومولاه، وينظر إلى توفيق الله له بالتوبة على أنه نعمة عظيمة من أعظم النعم عليه.
والأذكار التي فيها تكفير للذنوب كثيرة عديدة، فانظر لها مثلاً كتاب " الأذكار لأبي زكريا النووي ـ رحمه الله ـ ومن الكتب اللطيفة في ذلك كتاب حصن المسلم ، وهو كتاب حسن لطيف صغير الحجم عظيم الفائدة في هذا الباب.
وأما الخطايا التي تمحى، فالقاعدة أن الأعمال الصالحة تمحو بإذن الله الأعمال السيئة وهي ما يسمى بصغائر الذنوب قال تعالى" وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين" وقد قدمنا أن ما كان من ذلك متعلقا بحق العباد، فلا بد فيه من إبراء الذمة . وبالله التوفيق.