السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الغضب: مفهومه ومنشأه
الغضب: ثوران في النفس يحملها على الرغبة في البطش والانتقام.
وقيل فيه أيضاً: إنه غليان دم القلب. ويظهر أثر هذا الغليان على الجوارح، كاحمرار الوجه، وانتفاخ الودجين، واحمرار العينين.
تفاعل الغضب مع جسم الإنسان:
إن حالة الغضب التي تعتري الإنسان عبارة عن عملية كيميائية في جسم الإنسان تتمثل في ازدياد نسبة هرمون «الأدرينالين» في الدم، تفرزه الغدة الكظرية المكوّنة من غدتين صغيرتين كل واحدة منهما فوق كلية، فأثناء الغضب تفرز هاتان الغدتان هرمون «الأدرينالين» إلى الدم، وبقدر ما يكون الغضب شديدًا تكون نسبة الإفراز أكثر تدفقًا إلى الدم مما يؤدي إلى ازدياد نبضات القلب حتى تصل من 72-150 نبضة في الدقيقة الواحدة، وينتج عن ذلك زيادة في الدم الذي يرسله القلب إلى أعضاء الجسم فيرتفع الضغط حينها. وتظهر عليه أعراض أخرى كانتفاخ الأوداج واحمرار الوجه
واتساع حدقة العين، وارتعاد الأطراف، وربما تظهر علامات أخرى حسب طبيعة الشخص المنفعل. وهذا ما تدل عليه مجمل الأحاديث وكذا حالة الغضبان حال غضبه.
أما إذا كان الغضب معتدلاً أو تمالك الإنسان نفسه عند الحالة التي تثيره، فإن الغدة الكظرية تفرز هرمون «الأدرينالين» بنسبة معتدلة أيضًا، وهو ضروري للجسم لتنشيط الدورة الدموية، ولقيام القلب بإمداد الجسم بالطاقة اللازمة في كسب رزقه ومقاومة أعدائه.
منشأ الغضب:
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم» ، فمنشأ الغضب من الشيطان، وبالرغم من أن الأطباء فسروها علميًا بتفاعلات كيميائية داخل الجسم، إلا أن هناك عامل آخر يدخل في هذه العملية الكيميائية ويحرّكها ويغذيها، وهو المسؤول الحقيقي
عن حالة الغضب لدى الإنسان، هذا العامل هو الشيطان الذي لا يهدأ له بال بهدوء الإنسان واستقراره، وهذه حقيقة يجهلها كثير الناس بل كثير من الأخصائيين النفسانيين، فالحديث النبوي السابق يؤكد هذه الحقيقة بوضوح وجلاء، وإن جري الشيطان في عروق ابن آدم هو جري حقيقي لا مجازي، وهناك أحاديث كثيرة تعضد هذه الحقيقة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ».
وفي حديث آخر يبين ويؤكد التفسير العلمي للغضب والأعراض التي تظهر على الإنسان أثناءه، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن الغضب جمرة في قلب ابن آدم أما رأيتم إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه فمن أحس بشيء فليلصق بالأرض».
ويذهب كثير من أطباء النفس المعاصرين إلى أن مصدر الغضب عضوي وعصبي، لا علاقة له بالشيطان أو غيره، لذا فهذا النوع من الأطباء يبنون دراساتهم وتشخيصاتهم للمرضى على هذا الأساس ، ولا
يتجاوز علاجهم لهؤلاء المرضى العقاقير والمهدئات، وهي أدوية آنية سرعان ما ينتهي مفعولها ويرجع المريض النفسي إلى حالته المرضية بل وربما تزداد حالته سوءًا نتيجة تناول مثل هذه العقاقير والمهدئات التي صنعت للأمراض العضوية والبدنية، وليس لها علاقة بأمراض النفس وحالات الغضب التي تعتري الإنسان، فالنفس شيء آخر وبعيد كل البعد عن العضو المادي.
ثم لينظر هؤلاء المختصون أن هناك حالات كثيرة لبعض المرضى الذين يشتكون من آلام في الرأس أو في المفاصل أو في أي عضو آخر من جسم الإنسان، وبعد الفحوصات والتحاليل المخبرية، والصور الظليلية والمقطعية، يلاحظ أنه لا يوجد أي خلل عضوي في الجسم، ولا يوجد أثر للمرض فيه، ولا تزال الآلام والأوجاع في الجسم، ولا يزال المريض يشتكي من حاله، فبماذا نفسر مثل هذه الحالات، هل يكذب هذا المريض ويفتري على الأطباء؟ أم هي حقيقة يجب الاستسلام بها؟! لا شك إنها حقيقة لا مفر منها، وإنه الشيطان الذي يجري من ابن آدم مجرى الدم، استطاع التمكن من الإنسان في لحظة انفعالية معينة، من غضب أو خوف أو حزن أو غيره، لذا يشعر هذا الإنسان بآلام بأطرافه أو مفاصله أو رأسه،
لتأثير الوسواس الخناس فيه عندما وجد نقطة ضعف في هذا الجسم.