فضل الأم....دقائق.. احتسبوها من أجل الله
أنصفوا هذه المرأة العظيمة
قال الراوي :
أيها السادة .. أيها السادة .. أرجوكم أصيخوا السمع جيداً …!
دقائق.. احتسبوها من أجل الله .. دقائق فحسب أجمعوا قلوبكم معي فيها للحظات ..
تابعوا هذه الكلمات المضيئة بقلوبكم قبل عيونكم ..
فإني أتوقع أنكم ستجدون في المعاني المعروضة هاهنا ، إشراقها الذي سيحرك شجون الروح لديكم ، إن شاء الله تعالى ..(
وآمل أن تتحول إلى سلوك وعمل )
أيها السادة …!
إنني أحاول أن أخطط لوحة نادرة .. تحفة فنية مرسومة في ذهني بوضوح ، فهل أستطيع أن أصورها لكم بإحكام …؟؟..
صورة بديعة غير أني ارسمها بالكلمات لا بالخطوط ..
والتقط رتوشها من أعماق القلب ، لا من فوهة الخيال ..
ومن آلام النفس ومعاناة الروح ، لا من زخارف الأحلام ..
قال الراوي :
نعم .. نعم الآن فقط عرفت معنى قولهم ( ليس من سمع ، كمن رأى ) ..
فلقد ملأت أذني منذ سنوات بكلام كثير ، وأحاديث متنوعة عن عظيم فضل الأم ..
وكنت كغيري ، أسمع ما اسمع ، فلا يكاد يتجاوز ما اسمع صوان أذني ..!
قد تهزني عبارة جميلة .. وقد أحرك رأسي إعجابا بأبيات جميلة اسمعها ..
ثم لا شيء في دنيا الواقع ..!
ثم أراد الله بي خيراً ..
إذ وجدت نفسي أتابع مراحل حمل زوجي خطوة خطوة …
وحين دخلت المسكينة في شهرها التاسع ، وتجاوزته بقليل ،
تخيلت نفسي أنا ذلك المتكور في هذه البطن المنتفخة ..!
ومن هنا شرعت أضع أمام عيني مجهرا مكبراً يلتقط الآهةَ ، والأنةَ ، كما يلتقط الحركة والإشارة ..
وبدأت أتذوق شيئاً من المعاني التي سمعتها طويلا وكثيرا عن عظيم فضل هذه الأم
لقد رأيت ثم رأيت .. أمراً هائلاً يدير الرأس ، ويرقق القلب ، ويدمي العين ..!
ومن ثم أخذت أقتنع تماماً أن هذه المرأة الجليلة لم ينصفها الناس ، ولن ينصفوها أبدا ،
مهما زخرفوا الأقوال ، ورققوا العبارات .. ومططوا الكلام ..!
فهذه المرأة العظيمة ، لن يكافئها على الحقيقة إلا الله وحده سبحانه ..
الأم .. وما أدراك ما الأم ..؟؟
هي نموذج رحمة يتحرك بين ظهراني الناس ، ولا يلتفت إليه أحد بإجلال وتقدير،
إلا من رحم الله ..
بل هي كتلة صبر تتنفس ، وتضحك ، وتبكي ، وتدمع ، وتسر ، وتحزن ..!!
أو هي صورة حية لصفة الحلم ، يستيقظ وينام ، ويقوم ويقعد ..
بل هي فوق ذلك .
يا إلهي فلتسعفني بمعانٍ تقرّب الحقيقة ، وتوصل المقصود الذي أريد إبلاغه ..
قال الراوي :
تتبعتها ليالي وأياماً خلال أواخر شهرها التاسع ، بل في ساعات ليله ونهاره ،
فماذا رأيت ؟ ..
يا إلهي الرحمة .. ثم الرحمة .. ثم بعد ذلك الرحمة أيضاً ..!!
أوَ يستطيع الإنسان أن يتحمل كل تلك المعاناة والآلام ، التي تشبه التعذيب بوخز المسامير المحماة ..!
ثم ها أنا أرى هذه المسكينة تتحمل كل ذلك ، بفرح وانتشاء وسعادة وحبور ..!!
طالما رأيتها تطلق صرخة متوجعة ، فأحس بحرارة ألمها ، قد انتقل إلى قلبي مباشرة ، فأجالد نفسي حتى لا تفضحني عيناي .. !
غير أني أفاجأ بها بعد لحظة خاطفة قد أخذت تتبسم ،
وتقول وهي تشير إلى بطنها : يا له من شقي !!
سبحان من صبر هذه الأم على تلك الآلام المتصلة مع الأنفاس ..!
أراها إذا تحركت تألمت ..وإذا جلست أنّـتْ .. وإذا اضطجعت صرخت . وإذا مشت تعبت ..
وإذا حاولت النوم لتهجع قليلا ، تعذبت ، حيث لا تستطيع أن تأخذ راحتها في التقلب على فراشها ، كما كانت قبل هذا الحمل الثقيل الحبيب ..!
ومع هذا كله ، فهي لا زالت مطالبة __ في الغالب __
بالاهتمام بالبيت وشؤونه الداخلية ، ومتابعة الصغار ، ونظافتهم ، وإطعامهم ، وغسلهم ، ونومهم ، وما إلى ذلك ، مما هو وحده كفيل بهد جبل .. وتفتيت صخرة راسية .. وإحراق البقية الباقية من الأعصاب المكدودة .. !
ومع هذا كله ..
ومع هذا كله .. ها أنت تراها تقول للصبر مبتسمة :
خذ عني درسك أيها الحبيب .!
وتكاد تهزأ بحلم كثير ممن رويت عنهم قصص الحلم المشهورة وتقول :
إذا لم يكن هؤلاء قد تعلموا حلمهم من مدرستي ، فإنما هم … دجالون ..!!
كانت حين تجلس وقد التف حولها الصغار ، أشبه بفراخ الطير تفتح مناقيرها ، لتلقمها أمها شيئاً من الطعام ..
كنت لا تراها إلا مشجعة لهم على أن يأكلوا ، تداعب هذا وهي تطعمه ، وتسقي ذاك بعد محاولات مستميتة ، وتضحك مع الثالث وهي تخادعه ليقبل على وجبته ..
كل ذلك وهي تجلس بينهم جلسة غير طبيعية ، يكاد كل مفصل منها يئن على حدة ، يشتكي ويتوجع ..!
وهي مع ذلك لا تزال تبتسم وتشجع ، وتصفق ، وتكبّر ..
ثم فجأة تطلق صرخة خافتة ، فلقد تلقت للتو لكمة محكمة تحت الحزام ، فتسارع لتغيير جلستها ، وما أن تستوي عظامها ، حتى تعاود الابتسام ، والضحك والتشجيع والمداعبة ، وكأن شيئا لم يكن ..
ومن جديد يعود الجنين إلى لكمة جديدة محكمة ..! كأنما يقول لها : نحن هنا .. !!!
ألوان متعددة من العذاب الذي أحسب أنه لو صب على رجل مفتول العضل ، مسبوك القوة ، لصاح بملء فمه حتى يسمعه الجار الأربعون ! :
يا رب .. يا رب .. يا رب أمتني الساعة .. الساعة .. الساعة ..!!
ولا يزال يقول الساعة .. الساعة حتى يسعفه ملك الموت بالرحمة التي يطلبها ..!
أما هي : فرحمة الله لها .. ورحمة الله عليها .. ورحمة الله معها ..!!
تنظر إليك تارة نظرات تقول لك الكثير من معاني الألم ، دون أن تتحرك شفتاها ..
ثم في اللحظة التالية إذا بها تتبسم ضاحكة ، ويفيض لسانها بأعذب الحديث عن الضيف الجديد ..!
ويستجيش منظرها مشاعر شتى في القلب ، ودموعها تترقرق في عينيها وهي تجالد أن لا تتحدر على خديها .. وصرير أسنانها يعزف لحناً حزيناً أليماً ..
ويدها تمسح على بطنها لعلها تخفف شيئاً من ذلك الألم الذي يسبه لها هذا الجنين في أحشائها ، وهو يتبع اللكمة اللكمة ، والرفسة الرفسة ،
كأنه موج البحر في البحر ، لا تزال تضرب الساحل بقوة ، ثم تتراجع لتضربه من جديد ..!
إلا أن لطف الله تعالى بهذه المسكينة يجعل لهذا العذاب زمناً محددا وإن طال ..
ثم يتسع الطريق كي يخرج هذا الجنين إلى ضوء النهار ، ليواجه بدوره ضربات الحياة ، تقذفه موجة إلى أختها الموجة ، لترميه ثالثة إلى رابعة وهلم جرا .. حتى يدخل ظلمة جديدة ، يستقر فيها إلى المحشر ليخرج من جديد إلى عوالم أخرى مثيرة عجيبة ومهولة ..!
* * *
منقول للفائدة لنا جميعاً...بارك الله بالجميع.